منتدى ارفاد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الثقافة أكثر من القراءة

اذهب الى الأسفل

الثقافة أكثر من القراءة Empty الثقافة أكثر من القراءة

مُساهمة من طرف waleed الخميس أبريل 10, 2008 11:51 am

ص السابق


حول المثقف ومسؤولية المثقفين....
محمد عابد الجابري


ميزنا في نهاية المقال السابق بين ثلاث مستويات في مفهوم "الثقافة" : المستوى الفردي، والمستوى الشعبي، والمستوى الإنساني العام. وبما أنه لم يكن ثمة مجال كاف للتوسع، في الموضوع في المساهمة التي شاركت بها في "منتدى الاتحاد"، سأقوم هنا باستطرادات لتمديد دائرة "الكلام" فيه. سأدلي هنا بـ"شهادة شخصية"، قوامها مقال كتبته في مجلة "أقلام" التي ظهرت في الستينات من القرن الماضي وعاشت إلى الثمانينات منه والتي كانت توزع في المغرب وحده، تماما كما أن مجلة "فكر ونقد" التي خلَفتها منذ عشر سنوات (منذ 1997) والتي أتولى رئاسة تحريرها لا تغادر المغرب إلا عبر الانترنيت. أما السبب في ذلك فموضوع آخر يخص وضعية الثقافة في المغرب، وقد يكون من المفيد الاستطراد فيه لأنه يلقي بعض الأضواء على ذلك الوضع الذي ما زالت آثاره قوية.

تتلخص المشكلة في غياب مؤسسات لنقل هذا النوع من الإنتاج المغربي خارج المغرب. والسبب هو أن الإدارة الفرنسية زمن الاستعمار الفرنسي كانت تستورد الوسائل الثقافية (كتب صحف مجلات الخ) من فرنسا، ولا تسمح بتصدير أي وسيلة ثقافية وطنية إلى الخارج، لأن مثل هذه الوسيلة إن وجدت كانت مهمتها محاربة الاستعمار الفرنسي. كان ما كانت تهتم الإدارة الفرنسية بتصديره من المغرب هو المواد الأولية والخضر والفواكه. وعندما استقل المغرب ورث هذه الوضعية، وكل ما حدث من تجديد هو رفع المنع الذي فرضته السلطات الاستعمارية عن استيراد الكتب والمجلات والجرائد من المشرق، فأصبح المغرب مستوردا للوسائل الثقافية من فرنسا والمشرق العربي، ولكن لا يصدر إليهما ولا إلى أية جهة أخرى منتوجاته الثقافية. وقد سألت يوما -في الستينات والمغرب قد مضى على استقلاله عشر سنوات – صاحب دار كتب بالمغرب عما يمنعهم من تصدير الكتب والمنشورات المغربية، فأجابني ليس ثمة قوانين للتصدير سوى تصدير الطماطم والخضر، وهي تلزم المصدِّر بأن يُدخل إلى المغرب في غضون ثلاثة أشهر قيمة ما صدره منها، وهي مدة كافية لبيع الخضر وجمع ثمنها والقيام بالإجراءات الجمركية الخ. ثم أضاف: أما الكتب فهي "لا تؤكل" ولا "تفسد" بسرعة ولا تباع في حينها خصوصا والشحن إلى المشرق يتم بحرا، عبر الشركات والموانئ الأوربية. وقد يستغرق الوصول ثلاثة أشهر أو أكثر. إذن: فما كان يحكم قانون تصدير الكتاب هو قانون تصدير الطماطم. وأفتح قوسين لأضيف: عندما كنت في الجزائر في الثمانينات وكان وزير الثقافة زميلا في الدراسة وصديقا في الوطنية والثقافة: سألته لماذا لا تستوردون من المغرب بعض الكتب والمجلات فهناك ما يستحق... أجاب: يجب أن تستوردوا منا من نفس البضاعة ما يقابل ذلك!

أعود إلى المقال الذي كتبته عن "مسؤولية المثقفين".

في سنة 1964 عندما صدرت مجلة "أقلام" كان قد مضت سبع سنوات على انخراطي في سلك الكتابة، فقد التحقت بجريدة العلم الوطنية عام 1957 محررا وكاتب مقالة وصاحب صفحة أسبوعية خاصة بـ "المعلم". وعندما حصل في يناير 1959 انفصال داخل الحزب الوطني (حزب الاستقلال)، كنت من الشباب الذين قاموا به وساهموا في تأسيس "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" وتولت مهمة سكرتير تحرير جريدته "التحرر" التي صدرت كلسان هذا "الاتحاد". وكانت مجلة أقلام التي ظهرت عام 1964 كمجلة مستقلة، تمثل في الحقيقة الوجه الثقافي لهذه الحركة "الانفصالية" التقدمية.

في هذا الإطار نشرت فيها في عدد أبريل 1964 ما يمكن اعتباره أول مقال "تنظيري" كتبته. وكان عنوانه "مسؤولية المثقفين في البلاد المتخلفة". المقال طويل بعض الشيء يستغرق حجم مقالين اثنين من مقالات هذه الصفحة، ولذلك سأنشره هنا على قسمين (بدون أي تغيير أو تعديل أو تصحيح أو أي شكل من أشكال التدخل). يبدأ المقال كما يلي:

1- سمات المجتمع المتخلف...

""اعتقد أنه ليس ثمة حاجة إلى التأكيد على أن مسؤولية المثقفين في البلدان المتخلفة، لا يمكن تحديدها وإبراز معالمها إلا على ضوء معطيات الواقع الذي تعيشه هذه البلدان. فما هي هذه المعطيات؟ أو ما هي السمات الرئيسية للمجتمع المتخلف؟

إن نظرة عجلى إلى واقع مجتمعات البلدان المتخلفة، المستقلة حديثا كبلدنا، تكشف عن عديد من السمات، لعل أبرزها ما يلي:

1- إن المجتمع المتخلف مجتمع فوضوي التركيب: الطبقات لم تتضح حدودها بعد، فالصراعات الطبقية غير واضحة ولا متميزة بشكل كاف.

لماذا؟

أ- لأن وسائل الإنتاج، وهي في الغالب غير متطورة بالشكل الكافي، هي في معظمها في أيدي الأجانب، ولأن البرجوازية الوطنية الناشئة لم تستقل بعد مصالحها عن مصالح الأجنبي المسيطر، فمهمتها تنحصر غالبا في دور الوسيط.

ب- والطبقة الكادحة، من عمال وفلاحين، لم تنفصل عن البرجوازية والإقطاع انفصالا تاما، لأن "رباط" الوطنية الذي أطر جميع قوى المجتمع ضد الأجنبي أيام الكفاح من أجل الاستقلال، لا زال مفعولـه لم يضمحل، ولأن البرجوازية الوطنية نفسها لم تبرز بعد كقوة وكخصم للعمال مما جعل الوعي الطبقي في هذه المجتمعات يظل محدودا سطحيا.

ج- وجماهير الفلاحين، وهي الأغلبية الساحقة من السكان، لا تزال شبه مستعمرة يتحكم فيها الإقطاع والمعمرون، كما أنها ما تزال لم تتخلص بعد من الروح القبلية البدائية التي جعلتها ترى في الإقطاع ظاهرة طبيعية مقبولة، تزكيها التقاليد والمعتقدات والأوهام، وفى رؤساء القبائل أشخاصا لا يمكن إلا أن تدين لهم بالولاء.

2- نظام الحكم في هذه المجتمعات هو، غالبا، نظام تحكمى يعمل جادا على إبقاء الوضع الراهن على ما هو عليه. فهو يهادن المستعمر، ويتعامل معه، بل ربما يستغيث به عند الحاجة.

3- وعي الجماهير في هذه البلدان، وعي "متقطع" ينقصه الاستمرار، ويفتقد سعة الأفق وقوة التفكير، إنه وعي كثيرا ما لا يتعدى كونها تشعر بالظلم والحرمان والجهل.

4- والفئة الواعية حقا، أو المفروض فيها أن تكون كذلك، هي فئة المثقفين، وهى فئة قليلة العدد، ضئيلة الإمكانيات، غير مرغوب فيها من طرف القوى المتحكمة إلا إذا برهنت عن استمدادها للسير في ركاب هذه القوى والعمل على خدمتها.

2- الثقافة في البلدان المتخلفة امتياز..

تلك في نظري أهم صفات مجتمع البلد المتخلف، المستقل حديثا. وعلى ضوء هذه الصفات يمكن لنا أن نحدد مسؤولية هذه الفئة الأخيرة، فئة المثقفين "الواعية".

فما هي حدود هذه المسؤولية؟

لا شيء يحدد طبيعة هذه المسؤولية غير طبيعة هذا الواقع الذي تعيشه شعوب هذه البلدان، و"الواقع" الذي تنزع إليه. وما هذا الواقع الجديد الذي تتطلع إليه الجماهير إلا الواقع الذي تتحقق فيه تلك الصورة الذهنية المثلي التي كانت تعطيها لمفهوم الاستقلال أيام كانت تناضل من أجله! ان كلمة الاستقلال لم تكن تعني لدى الجماهير مجرد استبدال حكام دخلاء بحكام وطنيين فقط، بل كانت تعنى في ذات الوقت استبدال أوضاع متفسخة يسيطر فيها الظلم والحيف والفاقة والجهل، بأوضاع جديدة أساسها كرامة الفرد، وكرامة المجموع، أوضاع لا مكان فيها للظلم والتحكم والحرمان... ومما ساعد على تركيز هذه الصورة في ذهن الجماهير تلك الأساليب الدعائية التي عمدت إليها البرجوازية الوطنية أثناء الكفاح ضد الأجنبي، وهي أساليب قصد منها تحميس الجماهير في نضالها ضد الدخيل أكثر من العمل على توعيتها وتفتيح ذهنها وإرشادها إلى طريق النضال الصحيح، النضال الهادف المثمر، الشيء الذي جعل تلك الصورة مغرية مموهة، ولكنها مشوهة. (البقية في الأسبوع القادم).
وعذرا على الاطالة

waleed

عدد الرسائل : 95
الموقع : تل رفعت
تاريخ التسجيل : 12/03/2008

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى